الإشارة و العبارة، الحب و العقل، الستر و البوح
د.سامی مکارم.أستاذ فی الجامعة الأمریکیة-لبنان
إذا أهْلُ العبارةِ ساءلُونَا أجْبناهم بإعْلام الإشارهْ
نشيرُ بها فنجعلُها غموضا تقصرُ عنها ترجمة العبارهْ
ونشهدها وتشهدنا سرورا له في كل جارحـــة إثاره
ترى الأقوال في الأحوال أسرى كأسر العارفين ذوي الخساره
فی أبیات أبی العباس ابن عطا الآدمی هذه نستطیع أن نتبیّن الفرق بین الإشارة والعبارة لدی المتصوّفة.فالإشارة،کما یقول،تتجاوز العبارة،إذ العبارة تحجب بمعناها المعجمی المألوف من هو غیر مهیأ لتلقّی الإشارات الإلهیة العرفانیة.أما المهیّا فیتجاوز هذا المعنی المعجمی ویقتصر علی اتخاذ العبارة وسیلة إلی إدراک معان أخر أشارت إلیها العبارة إشارة تتّضح لهذا المهیّأ علی قدر تهیّؤه و تغمض علی غیره.و إذ یشهد المهیأ هذه المعانی المشار إلیها.تشهده حالا من المعرفة اللدنیة تدخل إلیه مسرورا یستحوذ علیه بکلّیته:علی قلبه و عقله و جوارحه.و کأن ابن عطاء هنا،فی ذکره للجوارح یشیر إشارة إلی الحدیث القدسّی الذی یقول:«و ما یزال عبدی یتقرب إلیّ بالنوافل حتی أحبّه فإذا أحببته کنت سمعه الذی یسمع به و بصره الذی یبصر به و یده التی یبطش بها(أی یتمسّک)و رجله التی یمشی بها».
و لکی نفهم المقصود من مصطلح الإشارة هذا فهمًا واضحا علینا أن نتقصی معناه البلاغی اللغوی.
الإشارة مصدر فعل أشار.تقول أشار إلیه أی«أوما.و یکون ذلک»،کما تقول المعاجم، «بالکفّ و العین و الحاجب».و ألفت هنا إلی تعلیق للجاحظ علی هذا التعریف إذ یقول:فأما الإشارة فبالید و بالرأس و بالعین و الحاجب و المنکب،إذا تباعد الشخصان و بالثوب و بالسیف. و قد یتهدد رافع السیف و السوط،فیکون ذلک زاجرا و مانعا رادعا،ویکون و عیدا و تحذیرا...
و فی الإشارة بالطرف و الحاجب و غیر ذلک من الجوارح،مرفق کبیر و معونة حاضرة،فی أمور یسترها بعض الناس من بعض،و یخفونها من الجلیس و غیر الجلیس.و لولا الإشارة لم یتفاهم الناس معنی خاصّ الخاص،و لجهلوا هذا الباب ألبتّة.
و کأنی بأبی نصر السرّاج یعلّق فی ما أورده فی کتابه اللّمع علی مقالة الجاحظ هذه،فیفرّق، علی خلاف اللغویین والبلاغیین،بین الإشارة،وهی ما یخفی عن المتکلّم کشفه بالعبارة للطافةمعناه .والإیماء،و هو«إشارة بحرکة جارحة».ثم یبیّن تنکّر المتصوفة للإیماء،بخلاف الإشارة،إذ یروی عن الجنید أنه قال:«جلست عند الکرّینی،فأومیت برأسی إلی الأرض فقال: بعد،ثم أومیت برأسی إلی السماء فقال:بعد.ثم یروی عن الشبلی قوله:«و من أومی إلیه فهو کعابد و ثن لأن الإیماء لا یصلح إلا إلی الأوثان».و یحضرنی فی المقام بیتان لابن عطاء فی هذا المعنی یقولان:
أجلـك أن أشـكو الـهـوى مـنـك إنـنــي
أجــلـك أن تـومـي إلــيك الاصـابـع
وأصـرف طـرفــي نـحـو غـيـرك عـامـدا
عـلـى أنـه بالـــرغـم نـحــوك راجــع
فالإیماء عندهم یکون إلی محدود،أما الإشارة،وهی لطیفة بخلاف إیماء الجوارج الکثیفة، فهی إلی ما لا یحدّ.
أما مصطلح«خاصّ الخاص»،و قد ورد فی قول الجاحظ السابق،فهو یشیر عند السرّاج واستطرادا عند المتصوّفة إلی تلک الطبقة العلیا من العارفین المتحققین.وهو فی ذلک یقول:أهل الخصوص هم الذی خصّهم اللّه تعالی من عامة المؤمنین بالحقائق والأحوال والمقامات،وخصوص الخصوص هم أهل التفرید وتجرید التوحید ومن عبر الأحوال والمقامات وسلکها وقطع مفاوزها.قال عزّوجلّ:«ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخیرات». فالمقتصد خصوص والسابق خصوص الخصوص .
و کأنه بذلک یرید أن یقول أن الخصوص هم الذین یؤمنون بالإشارات ویسعون إلی بلوغها،فی حین أن خصوص الخصوص هم الذین بلغوها و عبروها و استحقوا بعبورها التحقّق و التوحید.
ویحّسن هنا أن نستشهد بما قاله الحکیم الترمذی فی رسالة الفرق حول الفرق بین علم العبارة و علم الإشارة.و قد ذکر ذلک الدکتور محمد عبد اللّه الشرقاوی فی کتابه«الصوفیة و العقل»قائلا: «ولئن کان المصدر موضعا یصدر إلیه علم العبارة فإن القلب معدن العلم الذی تحت علم العبارة و هو علم الحکمة و الإشارة و کذلک فإن العلم الذی یدخل فی الصدر من خارجه لا یتمکن فیه إلا بعد التکرار وجهد الاعتبار و المواظبة علیه».
أما ما خرج إلیه من داخل القلب، من لطائف الحکمة و شواهد المنّة فاستقراره فی الصدر متمکّن.و معنی علم العبارة أن یعبّر عنه باللسان أما علم الإشارة فمعناه أن یشیر اللّه بقلبه(أی بقلب المؤمن)إلی ربوبیته و وحدانیته و جلاله و قدرته و جمیع صفاته و حقائق صنعته و فعله.
من هنا نری الحکیم الترمذی یعدّ علم الإشارة علما لدُنّیا أی نازلة ینزلها اللّه علی قلب المؤمن یعرّفه بها إلی ربوبیته من حیث کونه منزّها،و یعرّفه بها إلی وحدانیته من حیث کونه موجدا لا غیریة له،و یعرّفه بها إلی جلاله من حیث کونه محیطا واسعا کل شیء،و یعرّفه بها إلی قدرته من حیث کونه حائزا وحده الحول و القوة،و کل حوان و قوة إنما هما من حوله تعالی و قوته،و یعرّفه بها إلی صفاته من حیث کونها تمظهرات له تشیر إلیه،و یعرّفه بها إلی صنعته و فعله من حیث کونهما شأنه غیر المستقلّ عنه و لا المنفصل بأی بعد أو بین،و قد قال الحلاّج فی ذلک:
و أیّ الأرض تخلو منک حتی تعالوا یطلبونک فی السماء تراهم ینظرون إلیک جهرا و هم لا یبصرون من العماء
و فی هذا المعنی یقول الشیخ الأکبر: اللّه أکبر لا شیء یماثله و لیس شیء سواه بل هو إیاه فما تری عین ذی عین سوی عدم فصحّ أنّ الوجود المدرک اللّه فلا یری اللّه إلا اللّه فاعتبروا قولي لیعلم منحاه و مغزاه
أما علم العبارة فهو عمل العقل الطبیعی و لیس هو من الحقیقة المحض فی شیء.
و نحن إذا عدنا إلی ما قاله أبو نصر السراج و استشهدنا به أعلاه نری أنه فی کلامه حول التقلید الصوفی الذی یجعل المؤمنین علی ثلاثة مسالک هی مسلک الشریعة،وهم عامة المؤمنین،ومسلک أهل الطریقة،و هم الذین خصهم اللّه بالحقائق و المقامات و الأحوال،و مسلک أهل الحقیقة،وهم خاصّ الخاصة أهل التفرید و تجرید التوحید الذی عبروا المقامات و الأحوال و قطعوا مفاوزها و سبقوا بالخیرات.و کأنی بأبی نصر السرّاج یشیر هنا إلی ما أشار إلیه نجم الدین کبری فیما بعد إذ قال:
الشریعة کالسفینة،و الطریقة کالبحر،و الحقیقة کالدّر.و من أراد الدرّ رکب السفینة ثم شرح فی البحر ثم وصل إلی الدرّ.فمن ترک هذا الترتیب لم یصل إلی الدرّ.فأول شیء وجب علی الطالب هو الشریعة،و المراد بالشریعة ما أمر اللّه تعالی و رسوله من الوضوء و الصلاة و الصوم و أداء الزکاة و الحج وترک الحرام و غیر ذلک من الأوامر و النواهی.و الطریقة الأخذ بالتقوی وما یقرّبک إلی المولی من قطع المنازل و المقامات.وأما الحقیقة فهو الوصول إلی المقصد و مشاهدة نور التجلّی.. و کما قیل:الشریعة أن تعبده والطریقة أن تحضره والحقیقة أن تشهده.
وکم فی هذا القول من إشارات تتجاوز العبارات،عباراتها لأهل الشریعة وإشاراتها للخصوص وإدراک إشاراتها لأولئک الذین غاصوا فحازوا الدرّ.
من هنا کانت قراءة النّص الصوفی تتجاوز ما تدلّ علیه العبارة من معان ظاهرة و باطنة علی السواء،ذلک لأن هذه العبارات و معانیها و مدلولاتها تتعلق بالأوامر والنواهی والعبادات و علومها و تفاسیرها و تأویلاتها و بعلوم الکلام و الفقه،و هی کلها واجبة علی المؤمنین،تخاطب فیهم العقول و الأفهام و الجوارح و تأمرهم بعمل الطاعات و تنهاهم عن المعاصی و المنکرت و هم یتروّضون بها علی فعل الخیر و اجتناب الشر.العبارات إذا توشح للمؤمنن شریعة حیاته الصالحة فی عالم الشهادة،إنها توضح له ما أوتی من العلم لیتمکّن به من إصلاح حیاته.أما المعرفة فهی عند المتصوفة لا یوصل إلیها من خلال فهم العبارة بما عند الإنسان من عقل طبیعیّ.و قد سئل المتصوف الشهیر أبو الحسین النوری،کیف لا تدرک العقول اللّه فأجاب:
کیف یدرک ذو أمد من لا أمد له،أم کیف یدرک ذو عاهة من لا عاهة له و لا آفة،أم کیف یکون مکیّفا من کیّف الکیف أم کیف یکون محیّثا من حیّث فسمّاه حیثا،و کذلک أوّل الأوّل و أخّر الأخر،فسمّاه أوّلا و آخر بالعقل إذا لا یعرف اللّه.
وقد سئل النوری أیضا بما عرفت اللّه تعالی؟فقال باللّه،قیل:فما بال العقل،قال:«العقل عاجز لا یدلّ إلا علی عاجز مثله».
و فی المعرفة یقول الحلاج فی طواسینه:
المعرفة فی ضمن النکرة مخفیة،و النکرة فی ضمن المعرفة مخفیة.النکرة صفة العارف وجلیته،و الجهل صورته،فصورة المعرفة عن الأفهام غائبة آیبة.کیف عرف و لا کیف،أین عرفه و لا أین،کیف وصل و لا وصّل،کیف انفصل و لا فصل،ما صحّت المعرفة لمحدود قط و لا لمعدود و لا لمجهود و لا لمکدود.
بهذه الکلمات التی یشیر بها فیجعلها غموضا،علی حد قول صدیقه ابن عطاء،یتکلم الحلاج فی المعرفة،و هو یقصد أن الإنسان لا یمکنه بفهمه أن یعرف الحقیقة إذ تغیب صورتها عن فهمه و تنکسر علی صفحة عقله الطبیعی لتؤوب إلی مرکزها.
فعلی المرء إذا أن ینکر ما تتّصف به من الصفات التی یقتصر فهمه العقلی علیها ولا یتعداها.ذلک لأن الصفات محدودة بالکیف و الأین.و ما کان محدودا بحدّ لا تصح له معرفة لأن المحدود یعتمد علی الترکیب و التحلیل و الإضافة و هذه تقتضی جهدا و کدا فی حین أن الحقیقة بسیطة.و کیفد للمرکّب أن یدرک البسیط20.العقل الطبیعی إذا لیس وسیلة إلی معرفة الحق.لا یعرف الحق إلا بالحبّ.و الحب،عند الحلاج و غیره من الصوفیة،کما ذکرت فی کتابی الحلاج فی ما وراء المعنی و الخط و للون.
لیس فقط سرّ المعرفة الحق،و إنما هو سرّ هذا الوجود البدو و حقیقته.فلا لا العشق الإلهی لما بدا الحق کونا ناسوتیا.الحبّ إذا هو هذا الإلهی الذی هو اللألأ الوجودی و الحیاة فی هذا الکون البدو.
و فی ذلک یقول الحلاج:
العشق في أزل الآزال من قدمٍ
فيه بهِ منهُ يبدو فيه إبداءُ
العشقٌ لا حدثٌ، إن كان هو صفةٌ
من الصفات لمِن قتلاه أحياءُ
صفاته منه فيه غير محدثةٍ
ومحدث الشيء ما مبداه أشياءُ
لما بدا البدء أبدى عشقه صفةً
فيما بدا فتلالا فيه لألاءُ
فإذا کان العقل مطیّة العلم و الحب هو مطیة معرفة الحق،و الحق إنما هو الحبّ الحق. یقول محمد بن عبد الجبار بن الحسن النّفّری فی ذلک:
لا تستطیع مطیّة علم أن تکون مطیّة معرفة.ففرض علی مطیة العلم حمل العلم،و فرض علی مطیّة المعرفة حمل المعرفة،و لن تحمل مطیة العلم العلم حتی تکون قلبها مطیة للمعرفة، و لن تحمل مطیة المعرفة المعرفة حتی تکون جسمها مطیة للعلم. مثل المعرفة من العلم کمثل القلب من الجسم،و مثل الحب من العقل کمثل الروح من الجسد و کما الجسد یدلّ علی الروح،کذلک العبارة تدلّ علی الإشارة.و یواصل النفّری فیقول شعرا:
مشى بنسيم الحب لطف إلى القلب
فسلم من رب وأخبر عن رب
فأسفر عن أنوار ود بسيطة
لها مطلع بين الرسائل والكتب
فحيا بعلم لم يكن قط باديا
ودار بكأس العطف في روضة القلب
فلله ما أبدي بأنوار عزه
ولله ما أخفي عن القلب في القلب
إذا ما بدا قدس الصمود بعزة
لها جبروت الأمر في الشرق والغرب
أبانت بها عين البيان فأبصرت
كشوفا من التعريف تهدي إلي الحجب
و هو فی مکان آخر یقول:
کشف الحجاب لعارفیة فأبصروا
ما لا تعبّره حروف هجائه
و الحبّ منه أجلّ ذلک کلّه
و الحبّ زینة أرضه و سمائه
بالحب إذ تنکشف الحجب عن الحب الحق فتشرق به شمس الأتّصال علی حدّ ما ذکره الشیخ الأکبر محیی الدین بن عربی فی قوله:
و لما رأیت الحبّ یعظم قدره
و مالی به حتّی الممات یدان
تعشّقت حبّ الحبّ دهری و لم أقل
کفانی الذی قد نلت منه کفانی
فأبدی لی المحبوب شمس اتصاله
أضاء بها کونی و عین جنائی
و ذاب فؤادی خیفة من جلاله
فوقّع لی فی الحین خطّ أمان
هذا المحبوب الذی کشف حجابه لمن أحبه فأبدی له شمس اتصاله یجعل المحبّ لا یبوح بهذا الاتصال لمن یصرّن علی البقاء فی عالم الشهادة لا یتوسلون إلاّ بما تبدیه العبارة من معان لا تدلّ إلا علی محسوس و معقول و مألوف،هؤلاء غیر مهیّئین لتذوّق الحب الحق، و بالتالی یتنکرون لمن یتجاوز فی ذوقه عالم الشهادة إلی ملکوت الغیب،فیرمونه بالضلال و الانحراف عن سواء السبیل و یتهمونه بالکفر و الإلحاد و یکونون إلی ذلک قد أساءوا إلی أنفسهم بإساءتهم إلی المعرفة و المعارف کلیهما،من هنا إصرار أهل الذوق علی ستر هذه الحقائق إلا عن مستحقها،و قد لفتنی ما استشهد به الدکتور محمود الغراب فی کتابه الرد علی ابن تیمیة من کلام الشیخ الأکبر محیی الدین بن العربیمن قول للشیخ الأکبر هو:
اعلم أن عباد اللّه الذین أهّلهم اللّه له و اختصّهم من العباد،علی قسمین:عباد یکونون له به،و عباد یکونون له بأنفسهم،و ما عدا هؤلاء فهم لأنفسهم بأنفسهم،لیس اللّه منهم شیء،فلا کلام لنا مع هؤلاء فإنهم جاهلون،و نعوذ باللّه أن نکون من الجاهلین.
من هذا القول للشیخ الأکبر نستطیع أن نستخلص أن من کلّم الجاهلین،أی من أفشی لهم سرّا لیسوا أهلا له،کان جاهلا،ذلک لأن الأسرار القدیسیة أمانا عند المتّصل بها لا یجوز البوح بها إلا لمستحقها.و من یبح بها لمن لیس مهیأ لتقبّلها لم یراع اتّصاله بهذه الأسرار فانتهک قدسیّتها و خان أمانته.و فی ذلک یقول الحلاّج:
من سارروه فأبدی کلّ ما ستروا
و لم یراع اتصالا کان غشاشا
إذا النفوس أذاعت سرّ ما علمت
فکلّ ما حملت من عقلها جاشا
من لم یصن سرّ مولاه و سیده
لم یأمنوه علی الأسرار ما عاشا
و عاقبوه علی ما کان من زلل
و أبدلوه مکان الأنس إیحاشا
و جانبوه فلم یصلح لقربهم
لما رأوه علی الأسرار نبّاشا
و لا بأس هنا من إیراد ما قلناه فی کتابنا الحلاّج فی ما وراء المعنی و الخط و اللون فی هذا الموضوع:و هکذا یکون هذا البائح المنتهک للسرّ کمن ارتکب الفحشاء خائنا للأمانة«ظلوما جهولا» و یکون مثله مثل السّتر الوشواش،أی الخفیف الشفّاف الذی لا یصلح أن یکون سترا،فینزع و یلقی جانبا و یکون هذا المنتهک الأسرار قد خان أولئک الصحب العارفین الأبرار الذین(کما یقول الحلاج):
هم أهل سر و للأسرار قد خلقوا
لا یصبرون علی من کان فحّاشا
لا یقبلون مذیعا فی مجالسهم
و لا یحبون سترا کان و شواشا
لذلک وجب علی العارف أن یکون أمینا علی الأسرار المعرفیة حافظا لها،یسترها عن غیر مستحقها بستر غیر وشواش یحجب لطافة النور المعرفی عن کثافة أولئک الذین ألفوا الحسّ و وثقوا بمعطیات عالم النسبة.
ستر المعرفة عمّن لیس من أهلها إذا تقدیس للمعرفة.و البوح بها لمن لا یستحقّها انتهاک لها و انتهاک لمعلمها و انتهاک لمتلقیّها.یقول صاحب کتاب مشکاة الأنوار المنسوب إلی الغزالی صحا أو خطأ: لیس کل سرّ یکشف و یفشی،و لا کلّ حقیقة تعرض و تجلی،بل صدور الأحرار قبور الأسرار. و یواصل الکلام فیقول:
و لقد قال بعض العارفین:«إفشاء سرّ الربوبیة کفر».بل قال سید الأولین و الآخرین صلی اللّه علیه:«إن من العلم کهیئة المکنون لا یعلمه إلاّ العلماء باللّه.فإذا نطقوا به لم ینکره إلا أهل الغرّة باللّه.و مهما کثر أهل الاغترار وجب حفظ الأسرار علی وجه الإسرار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق